ابق حيث الغناء ، فالأشرار لا يغنون

ابق حيث الغناء ، فالأشرار لا يغنون
 
هذا المثل الغجري يذكرني بسؤالٍ فكرت به مراراً ، هل المستبدون او الطغاة يغنون ؟ فأنا مقتنعُ بأن الغناء يخلص الروح من ادرانها كما يطهر ماء النهر جسد الانسان ، فالذين يقتلون على الهوية لا يحبون الغناء ، والمسؤولين الفاسدين في عهدنا الديمقراطي الجديد !! المتسترين بعباءة الدين لا يحبون الغناء ، كذلك التكفيريون الذين يكفرون الناس ويحللون ذبح الناس كالخراف لا يحبون الغناء ، اما الذين يحبون الغناء فهم اقرب الى الطبيعة الانسانية والى الصفاء والتصالح مع الذات والناس من الذين يكفرون الغناء ، وقد يسأل البعض هل احب حكامنا السابقون الغناء ؟ اقول : ربما أحبوا الغناء الغجري والرقص الغجري أكثر من غيره وهو الأهم عندهم وعند كل حاكم مستبد فاسد المزاج والضمير فهذا الغناء يحرك غرائزهم التي هي الأهم ، فكان كثيرُ من رموز السلطة المقبورة على علاقة بالمطربات الغجريات وقد حصِلّْنَ على حماية ورعاية اولئك الفرسان ، وقد استطعن هزيمة مسؤولين في درجة ادنى في خلافات شخصية او قانونية ، وكان بمقدورهن اخراج محكومين من زنزانات الاعدام ونقل جنود من جبهات القتال الى اماكن مريحة وناعمة ، ويمكنهن تحريك لواء عسكري لو رغبت احداهن ، فبينما كان ينام الجندي الفقير في خنادق القتال كان ينام كبار القادة في احضان غجرياتهم وقد ابعدتهم نشوة الخمرة عما يدور في ارض الواقع فناموا كالأموات حتى تعرض بعضهم الى مشاكل وخلافات عائلية ، لست هنا في موقف عدائي او تحريضي ضد الغجر او الاغنية الغجرية ، فكانت تلك الاغاني جميلة في احيان كثيرة وان كانت موسيقاها بسيطة واحياناً ساذجة لكننا نستطيع تذكر عشرات الاغاني الغجرية الجميلة وقد غنى بعض المطربين الريفين تلك الاغاني التي شاعت وأحبها الناس لبساطة المفردة واللحن ، فأغاني الغجر بسيطة المفردة الى حد بعيد رغم ان اللحن والصوت كان يخفي ملامح شجن وحزن عميق ، لكن الغجر الذين امتهنوا الغناء اهتموا بالرقص في الغناء وتحريك الغرائز عند المشاهد وحتى المستمع من خلال الايقاع الراقص وهذا الامر كان على حساب النص الذي هو احد اضلاع المثلث الغنائي ولم يكن ملحنو تلك الاغاني قد درسوا الموسيقى كما كان حال ملحنو اغنية المدينة ، فلم تكن الاغنية الغجرية متساوية الاضلاع ابدا .. في حين نجد ان اغنية المدينة كانت اعمق في لغتها التعبيرية وفي النص الشعري فساهمت اغنية المدينة بكل اشكالها في تطوير الذائقة الموسيقية وارتقت بها وجعلت الكثير من المستمعين يدخلون عوالم النص الشعري الجديد الذي ادخله شعراء كبار منهم مظفر النواب وابو سرحان وزامل سعيد فتاح وكاظم الرويعي واخرين كثيرين ، الرقص الغجري ابعد المشاهد عن رؤية النص والانتباه الى الاداء وعذوبة الصوت فتسبب ذلك بظاهرة تغجير الغناء الذي الحق ضرراً بالغاً بالنص واللحن واعطى فرصة لتجار الاغاني الى استغلال الاسلوب الغجري في تسويق بضاعتهم .. ربما لا نتفق مع نمط حياة هؤلاء القوم المرتحلون عبر القارات والتي يعتبرهم البعض من الاقوام الضائعة لانهم لم يبنوا مدنهم وظلوا في ترحال دائم بينما بنى العرب الرحل حضارة لبست ثياباً دينية جديدة اتاحت لها الفرصة في غزو حضارات مجاورة اكثر رقياً وتخريب منجزها العمراني والفكري وبنوا مدناً خاصة بهم كالكوفة وبغداد ولم نشهد للعرب اهتماما واضحاً بالموسيقى والغناء بسبب الجذر الصحراوي ، فالموسيقى مدنية التكوين .
يخلط البعض بين الاغنية الريفية والغجرية ، رغم ان هناك تداخلاً وتفاعلاً بينهما يصل حد عدم التفريق بينهما في بعض الاغاني التي اشتهرت بمطربين من الغجر وابناء الريف في آن واحد ، حتى اطلق البعض اسماء بنات الريف على بعض المطربات الغجريات كون الغجر سكنوا امكنةً ريفية .
الغجر واغانيهم وعاداتهم ربما خلقت اشكاليات في موضوعة الاغنية او المفاهيم الاجتماعية لكنهم مواطنون مسالمون لم يسفكوا الدماء ولم ينهبوا المال العام ، ولم يحمل الغجري سيفه حتى حين هاجمهم البعض في فترة الفوضى التي عاشها العراق ، تحت ستار الدين  تعرض هؤلاء الناس الى معتدين غلفوا دناءتهم بمكياج الدين ، ومازال البعض يرى الطهر في ثقب صغير بينما مساحة الطهر تفوق مساحة الشمس ، الطهر هو احترام المال العام وحياة الناس والصدق والشفافية والعدالة والسلام ..  وبهذا القياس الانساني يكون الغجر اطهر من حكامنا الفاسدين الظالمين ، واغاني الغجر اجمل بما لا يقاس من اناشيد العنف والكراهية وكما قال الغجر ابق حيث الغناء ، فالأشرار لا يغنون ..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

هل الحنان في مص الثدي

صور واضاع جماع من المؤخرة للكبار فقط

التظاهر بالهدوء يقتل علاقتكما.. الخبراء يحذرونك من 8 عادات تؤدي إلى الطلاق